فصل: غزوة الأفقانية.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.غزوة الأفقانية.

لما رجع السلطان إلى غزنة راسل بيدو والي قنوج واسمه راجبان بدلحه وطال بينهما العتاب وآل إلى القتال فقتل والي قنوج واستلحمت جنوده وطغى بيدو وغلب على الملوك الذين معه وصاروا في جملته ووعدهم برد ما غلبهم عليه السلطان محمود ونمي الخبر بذلك إليه فامتعض وسار إلى بيدو فغلبه على ملكه وكان ابتداؤه في طريقه بالأفقانية طوائف من كفار الهند معتصمون بقلل الجبال ويفسدون السابلة فسار في بلادهم ودوخها وعبر نهر كنك وهو واد عميق وإذا جيبال من ورائه فعبر إليه على عسر العبور فانهزم جيبال وأسر كثير من أصحابه وخلص جريحا واستأمن إلى السلطان فلم يؤمنه إلا أن يسلم فسار ليلحق ببيدو فغدر به بعض الهنود وقتله فما رأى ملوك الهند ذلك تابعوا رسلهم إلى السلطان في الطاعة على الأتاوة وسار إلى مدينة باري من أحصن بلاد الهند فألفاها خالية فأمر بتخريبها وعشر قلاع مجاورة لها وقتل من أهلها خلقا وسار في طلب بيدو وقد تحصن بنهر أدار ماءه عليه من جميع جوانبه ومعه ستة وخمسون ألف فارس وثمانون ألف راجل وسبعمائة وخمسون فيلا فقاتلهم هنالك يوما وحجز بينهم الليل فأجفل بيدو وأصبحت دياره بلاقع وترك خزائن الأموال والسلاح فغنمها المسلمون وتتبعوا آثارهم فوجدوهم في الغياض والآكام فأكثروا فيهم القتل والأسر ونجا بيدو بدماء نفسه ورجع السلطان إلى غزنة ظافرا.

.فتح سومنات.

كان للهند صنم يسمونه سومنات وهو أعظم أصنامهم في حصن حصين على ساحل البحر بحيث تلتقفه أمواجه والصنم مبنى في بيته على ستة وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص وهو من حجر طوله خمسة أذرع منها ذراعان غائصان في البناء وليس له صورة مشخصة والبيت مظلم يضيء بقناديل الجوهر الفائق وعنده سلسلة ذهب بجرس وزنها مائة من تحرك بأدوار معلومة من الليل فيقوم عباد البرهميين لعبادتهم بصوت الجرس وعنده خزانة فيها عدد كثير من الأصنام ذهبا وفضة عليها ستور معلقة بالجوهر منسوجة بالذهب تزيد قيمتها على عشرين ألف ألف دينار وكانوا يحجون إلى هذا الصنم ليلة خسوف القمر فتجتمع إليه عوالم لا تحصى وتزعم الهنود أن الأرواح بعد المفارقة تجتمع إليه فيبثها فيمن شاء بناء على التناسخ والمد والجزر عندهم هو عبادة البحر وكانوا يقربون إليه كل نفيس وذخائرهم كلها عنده ويعطون سدنته الأموال الجليلة وكان له أوقاف تزيد على عشرة آلاف ضيعة وكان نهرهم المسمى كنك الذي يزعمون أن مصبه في الجنة ويلقون فيه عظام الموتى من كبرائهم وبينه وبين سومنات مائتا فرسخ وكان يحمل من مائه كل يوم لغسل هذا الصنم وكان يقوم عند الصنم من عباد البرهميين ألف رجل في كل يوم للعبادة وثلاثمائة لحلق رؤوس الزوار ولحاهم وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون ولهم على ذلك الجرايات الوافرة وكان كلما فتح محمود بن سبكتكين من الهند فتحا أو كسر صنما يقول أهل الهند: إن سومنات ساخط عليهم ولو كان راضيا عنهم لأهلك محمودا دونه فاعتزم محمود بن سبكتكين إلى غزوه وتكذيب دعاويهم في شأنه فسار من غزنة في شعبان سنة ست عشرة وأربعمائة في ثلاثين ألف فارس سوى المتطوعة وقطع القفر إلى الملتان وتزود له من القوت والماء قدر الكفاية وزيادة عشرين ألف حمل وخرج من المفازة إلى حصون مشحونة بالرجال قد غوروا آبارهم مخافة الحصار فقذف الله الرعب في قلوبهم وفتحها وقتل سكانها كسر أصنامها واستقى منها الماء وسار إلى أنهلوارن وأجفل عنها صاحبها بهيم وسار إلى بعض حصونه وملك السلطان المدينة ومر إلى سومنات ووجد في طريقه حصونا كثيرة فيها أصنام وضعوها كالنقباء والخدمة لسومنات ففتحها وخربها وكسر الأصنام ثم سار في قفر معطش واجتمع من سكانه عشرون ألفا لدفاعه فقاتلهم سراياه وغنموا أموالهم وانتهوا إلى دبلواه على مرحلتين من سومنات فاستولى عليها وقتل رجالها ووصل إلى سومنات منتصف ذي القعدة فوجد أهلها مختفين في أسوارهم وأعلنوا بكلمة الإسلام فوقها فاشتد القتال حتى حجز بينهم الليل ثم أصبحوا إلى القتال وأثخنوا في الهنود وكانوا يدخلون إلى الصنم فيعنفونه ويبكون ويتضرعون إليه ويرجعون إلى القتال ثم انهزموا بعد أن أفناهم القتل وركب فلهم السفن فأدركوا وانقسموا بين النهب والقتل والغرق وقتل منهم نحو من خمسين ألفا واستولى السلطان على جميع ما في البيت ثم بلغه أن بهيم صاحب أنهلوارن اعتصم بقلعة له تسمى كندهة في جزيرة على أربعين فرسخا من البر فرام خوض البحر إليها ثم رجع عنها وقصد المنصورة وكان صاحبها ارتد عن الإسلام ففارقها وتسرب في غياض هناك فأحاطت عساكر السلطان بها وتتبعوهم بالقتل فأنهوهم ثم سار إلى بهاطية فدان أهلها بالطاعة ورجع إلى غزنة في صفر سنة سبع عشرة وأربعمائة.